ولم أكن به شقيّا 

on

كم مرة وقعت في مأزق وتفلّت الأيدي من يدك ولم يبق لك مخرج إلا وأُغلق بقوة أمامك ؟ كم مرة لفحت عليك رياح اليأس وحُبست أنفاسك بداخلك وظننتها أنها حانت ساعة الصفر ؟ كم مرة سقطت من عُلّوك وأجهشت بالبكاء ولم تمتدّ لك أي يد لتعيد لك قوتك المتسللة منك ؟ كم مرة صرخت متضجرًا من سوء حالك ولم تقدر أن تتفوه بذلك لأحد لأنهم ببساطة لا يعوون حجم ذلك بالنسبة لك ؟ كم مرة تبعثر قلبك إثر صدمات قاسية تتلقاها ممن تحبّ لتيقن بعدها قسوة اللحظة ؟ 

كم وكم من المواقف أعادت تشكيلنا من الداخل وجعلت روحك التي تاهت في مدى بعيد تعود مرة أخرى إلى خالقها وجعلتك تتيقّن حق اليقين أن لا مفر لك من هذه الحياة المليئة بالصراعات إلا إليه ! إليه فقط ! ألا تعي ذلك ؟ لأنك في وقت هذه الظروف القاسية التي أطاحت بك وجعلتك هشّا لتستمد قوتك من القوي فقط ، لتجعلك ترفع يدك بشكل مُباشر وتصرخ يالله الغوث الغوث .

لقد كان ومازال الدعاء مهرباً آمناً لك عندما تتقاذفك أيادي الأقدار ونافذة يتخلل منها ضوء الحياة مرة أخرى إلى معتزلك ! ألم يقل ربنا الكريم ” وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنّي فَإِنّي قَرِيبٌ” قريب جدا بشكل لا يمكن لعقلك الصغير أن يتخيّله ، أقرب من الأشخاص الذي تبّثهم شكواك بكل أسى ! 

قريب لترفع يداك وتطلب منه وتسأله ماتريد وتشكوه همومك الصغيرة قبل الكبيرة ، قريب منك يسمعك ويراك ويعلم مابك حتى الذي اختبأ في قلبك والحديث الذي ضاقت به حنجرتك ولم تتحدث به ويعلم مكانك أيضاً ولو أخفيت نفسك في مكان لا تقع عليه أي عين ! 

نحتاج وبشكل فوريّ أن ندرك ذلك ليتخذّ كل شيء مكانه بصورة صحيحة ، لتُوصل أرواحنا برباط السماء ، لتضمّد جراحنا بشكل أفضل ، ليُعاد تشكيل قوتنا الداخلية ، من أدرك ذلك أتاه ثِمار ذلك بسرعة مُذهلة وبشكل لا يتخيّله أي عقل لأن كانت النتائج خارقة للعادة وخارقة للمتوقع أيضاً ، فهاهو نبيّ الله زكريا ينادي الله يشكوه شيباً غزى شعره كما النار ويشكوه أيضاً ضعفاً تتسلل إليه ليسلب منه قوته ولكنه ختم شكواه بشكل مُختلف .

” ولم أكن بدعائك رب  شقيّا ” أدعوك وأشكو إليك مُصابي ككل مرة أرفع اليك يداي و لأني في كل مرة لم تُخيّب ظنوني ولم تترك أيدٍ ارتفعت لك فارغة ، رفعتُ لك يداي الآن وحاشاك أن تردّها ، فأنت الكريم الذي بيديك خزائن السموات والأرض فلا تخيّبني بالتالي الذي أرجوه منك هذه المرة وأتاه الرد بشكل مُذهل قبل أن يغادر محاربه . 

إنه درس عظيم يهبنا إياه القرآن على طبق من ذهب ، وكأنه هذه المرة يعطيك قاعدة صلبة لتزرع بها أحلامك التي يؤمن الجميع بأنها مستحيلة الحدوث ولكن ذلك يختلف في ميزان السماء ! تذّكر كم من مرة رفعت يديك الى الله لتسأله وكيف أتتك المواساة والإجابة بشكل حانٍ جداً وكم من مرة تحدثت الى الله بأحلامك الذي تناضل من أجلها كل يوم وماإن لبثت الا أن رأت النور ! لقد قالها زكريّا ” ولم أكن بدعائك رب شقيّا ” لقد اتخذه منهاج حياة مختلف ، حياة تحفّها نور الرحمة الربانيّة ، جعل من محرابه أيضاً مهرباً امنا الى رب عظيم ، وكم حوى المحراب من حكايا ومعجزات تحققّت بقوة ربانيّة خارقة ! 

نحتاج أن نجعل الدعاء حلقة وصل ، تستمدّ منه الحب الإلهي ، تتنزل من خلاله الرحمات أن تستخدمه في رخائك قبل ضيقتك وتجعل من دعائك قوة تركن اليها كلما تعثرت لأنك فقط تخاطبُ في كل مرة القويّ الذي بيديه كل شيء ، نحتاج أن نؤمن بذلك حقّ الإيمان حتى نوفقّ في الختام الى قول ” ولم أكن أنا أيضا يارب بدعائك  شقيّاً ”  ! 

الى كل أحلامك المستحيلة ، وحياتك التي تعثرت كثيراً ، وأمورك التي تُعرقلت في كل مرة ، الى تجاربك الفاشلة ، الى الضعف الذي يحتويك الى الثقوب التي امتلأ بها جدار قلبك ،الى كل شيء أفقدك نفسك ؛ أقول لك وبكل يقين صادق في الدعاء ثمة حياة مختلفة جداً لا يمكنك أن تسترق النظر اليها او تخوضها حتى تؤمن به حق الإيمان ، ثمة زهرٌ سينبت مع دعائك على جراحك التي اثخنتك وثمة ودق أيضا يغسل الظلمة التي اعتلت وجهك . 

مخرج : ” ابق عزيزاً قويّا أمام الآخرين ثم اذهب وعش ضعفك كاملا ً أمام الله في محرابك ” 

2 Comments اضافة لك

  1. H كتب:

    مدونتك جميلة وما تكتبينه قريب للروح 💕
    شكرًا على هذا الجمال ياسمية 🌸

  2. بحر كتب:

    هذي التدوينة اللي كنت احتاج اقرأها
    الله يسعدك سمية 💗

اترك رداً على H إلغاء الرد